الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
.تفسير الآية رقم (15): {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15)}{مِن مَّارِجٍ} من لهب خالص لا دخان فيه كما هو رواية عن ابن عباس وقيل: هو اللهب المختلط بسواد النار، أو بخضرة وصفرة وحمرة كما روى عن مجاهد من مرج الشيء إذا اضطرب واختلط، و{مِنْ} لابتداء الغاية، وقوله تعالى: {مّن نَّارٍ} بيان لمارج والتنكير للمطابقة ولأن التعريف لكنه عليه فكأنه قيل: خلق من نار خالصة، أو مختلطة على التفسيرين، وجوز جعل {مِنْ} فيه ابتدائية فالتنكير لأنه أريد نار مخصوصة متميزة من بين النيران لا هذه المعروفة، وأيًا ما كان فالمارج بالنسبة إلى الجان كالتراب بالنسبة إلى الإنسان، وفي الآية رد على من يزعم أن الجن نفوس مجردة..تفسير الآية رقم (16): {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (16)}{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} مما أفاض عليكم في تضاعيف خلقكما من سوابغ النعم..تفسير الآية رقم (17): {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17)}{رَبُّ المشرقين وَرَبُّ المغربين} خبر مبتدأ محذوف أي هو رب إلخ، أو الذي فعل ما ذكر من الأفاعيل البديعة رب مشرقي الشمس صيفًا وشتاءًا ومغربيها كذلك على ما أخرجه جماعة عن ابن عباس، وروى عن مجاهد. وقتادة. وعكرمة أن {المشرقين} مشرقًا الشتاء ومشرق الصيف، و{المغربين} مغرب الشتاء ومغرب الصيف بدون ذكر الشمس، وقيل: المشرقان مشرقا الشمس والقمر، والمغربان مغرباهما.وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن {المشرقين} مشرق الفجر ومشرق الشفق، و{المغربين} مغرب الشمس ومغرب الشفق، وحكى أبو حيان في المغربين نحو هذا، وفي المشرقين أنهما مطلع الفجر ومطلع الشمس والمعول ما عليه الأكثرون من مشرقي الصيف والشتاء ومغربيهما، ومن قضية ذلك أن يكون سبحانه رب ما بينهما من الموجودات، وقيل: {رَبّ} مبتدأ والخبر قوله تعالى: {مَرَجَ} [الرحمن: 19] إلخ، وليس بذاك.وقرأ أبو حيوة. وابن أبي عبلة {رَبّ} بالجر على أنه بدل من [الرحمن: 16]..تفسير الآية رقم (18): {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (18)}{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} مما في ذلك من فوائد لا تحصى كاعتدال الهواء واختلاف الفصول وحدوث ما يناسب كل فصل في وقته..تفسير الآية رقم (19): {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19)}{مَرَجَ البحرين} أي أرسلهما وأجراهما من مرجت الدابة في المرعى أرسلتها فيه، والمعنى أرسل البحر الملح والبحر العذب {يَلْتَقِيَانِ} أي يتجاوران وتتماس سطوحهما لا فصل بينهما في مرأى العين، وقيل: أرسل بحري فارس والروم يتلقيان في المحيط لأنهما خليجان ينشعبان منه، وروى هذا عن قتادة لكنه أورد عليه أنه لا يوافق قوله تعالى: {مَرَجَ البحرين هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [الفرقان: 53] والقرآن يفسر بعضه بعضًا، وعليه قيل: جملة {يَلْتَقِيَانِ} حال مقدرة إن كان المراد إرسالهما إلى المحيط، أو المعنى اتحاد أصليهما إن كان المراد إرسالهما إليه..تفسير الآية رقم (20): {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20)}{بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ} أي حاجز من قدرة الله تعالى، أو من أجرام الأرض كما قال قتادة {لاَّ يَبْغِيَانِ} أي لا يبغي أحدهما على الآخر بالممازجة وإبطال الخاصية بالكلية بناءًا على الوجه الأول فيما سبق، أو لا يتجاوزان حديهما بإغراق ما بينهما بناءًا على الوجه الثاني، وروى هذا عن قتادة أيضًا، وفي معناه ماأخرجه عبد الرزاق. وابن المنذر عن الحسن {لاَّ يَبْغِيَانِ} عليكم فيغرقانكم، وقيل: المعنى لا يطلبان حالًا غير الحال التي خلقا عليها وسخرا لها..تفسير الآية رقم (21): {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21)}{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} مما لكما في ذلك من المنافع..تفسير الآية رقم (22): {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22)}{يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ} صغار الدر {وَالمَرْجَانُ} كباره كما أخرج ذلك عبد بن حميد. وابن جرير عن علي كرم الله تعالى وجهه. ومجاهد، وأخرجه عبد عن الربيع. وجماعة منهم المذكوران. وابن المنذر. وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس، وأخرج ابن جرير عنه أنه قال: {اللؤلؤ} ما عظم منه {وَالمَرْجَانُ} اللؤلؤ الصغار.وأخرج هو. وعبد الرزاق. وعبد بن حميد عن قتادة نحوه، وكذا أخرج ابن الأنباري في الوقف والابتداء عن مجاهد، وأظن أنه إن اعتبر في اللؤلؤ معنى التلألؤ واللمعان وفي المرجان معنى المرج والاختلاط فالأوفق لذلك ما قيل: ثانيًا فيهما، وأخرج عبد الرزاق. والفريابي. وعبد بن حميد. وابن جرير. وابن المنذر. والطبري عن ابن مسعود أنه قال: المرجان الخرز الأحمر أعني البسذ وهو المشهور المتعارف، و{اللؤلؤ} عليه شامل للكبار والصغار، ثم إن اللؤلؤ بناء غريب قيل: لا يحفظ منه في كلام العرب أكثر من خمسة هو، والجؤجؤ الصدر وقرية بالبحرين، والدؤدؤ آخر الشهر أو ليلة خمس وست وسبع وعشرين. أو ثمان وتسع وعشرين. أو ثلاث ليال من آخره، والبؤبؤ بالباء الموحدة الأصل. والسيد الظريف. ورأس المكحلة. وإنسان العين. ووسط الشيء، واليؤيؤ بالياء آخر الحروف طائر كالباشق، ورأيت في كتب اللغة على هذا البناء غيرها وهو الضؤضؤ الأضل للطائر. والنؤنؤ بالنون المكثر تقليب الحدقة. والعاجز الجبان، ومن ذلك شؤشؤ دعاء الحمار إلى الماء وزجر الغنم والحمار للمضي. أو هو دعاء للغنم لتأكل، أو تشرب. وأما المرجان فقد ذكره صاحب القاموس في مادة مرج ولم يذكر ما يفهم منه أنه معرب، وقال أبو حيان في البحر: هو اسم أعجمي معرب. وقال ابن دريد: لم أسمع فيه بفعل متصرف.وقرأ طلحة اللؤلؤ بكسر اللام الأخيرة. وقرء اللؤلى بقلب الهمزة المتطرفة ياءًا ساكنة بعد كسر ما قبلها وكل من ذلك لغة. وقرأ نافع. وأبو عمرو {يَخْرُجُ} مبنيًا للمفعول من الإخراج، وقرئ {يَخْرُجُ} مبنيًا للفاعل منه ونصب {الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ} أي يخرج الله تعالى. واستشكلت الآية على تفسير البحرين بالعذب والملح دون بحري فارس والروم بأن المشاهد خروج {الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ} من أحدهما وهو الملح. فكيف قال سبحانه: {مِنْهُمَا}؟ وأجيب بأنهما لما التقيا وصارا كالشيء الواحد جاز أن يقال: يخرجان منهما كما يقال يخرجان من البحر ولا يخرجان من جميعه ولكن من بعضه، وكما تقول خرجت من البلد وإنما خرجت من محلة من محاله بل من دار واحدة من دوره، وقد ينسب إلى الإثنين ما هو لأحدهما كما يسند إلى الجماعة ما صدر من واد منهم.ومثله على ما في الانتصاف {على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ} [الزخرف: 31] وعلى ما نقل عن الزجاج {سَبْعَ سموات طِبَاقًا وَجَعَلَ القمر فِيهِنَّ نُورًا} [نوح: 15، 16]، وقيل: إنهما لا يخرجان إلا من ملتقى العذب والملح ويرده المشاهدة وكأن من ذكره مع ما تقدم لم يذكره لكونه قولًا آخر بل ذكره لتقوية الاتحاد فحينئذ تكون علاقة التجوز أقوى.وقال أبو علي الفارسي: هذا من باب حذف المضاف والتقدير يخرج من أحدهما وجعل {مّنَ القريتين} من ذلك. وهو عندي تقدير معنى لا تقدير إعراب. وقال الرماني: العذب منهما كاللقاح للملح فهو كما يقال الولد يخرج من الذكر والإنثى أي بواسطتهما، وقال ابن عباس، وعكرمة: تكون هذه الأشياء في البحر بنزول المطر لأن الأصداف في شهر نيسان تتلقى ماء المطر بأفواهها فتتكون منه، ولذا تقل في الجدب، وجعل عليه ضمير {مِنْهُمَا} للبحرين باعتبار الجنس ولا يحتاج إليه بناءًا على ما أخرجه ابن جرير عنه أن المراد بالبحرين بحر السماء وبحر الأرض.وأخرج هو. وابن المنذر عن ابن جبير نحوه إلا أن في تكون المرجان بناءًا على تفسيره بالبسذ من ماء المطر كاللؤلؤ ترددًا وإن قالوا: إنه يتكون في نيسان، وقال بعض الأئمة: ظاهر كلام الله تعالى أولى بالاعتبار من كلام الناس، ومن علم أن اللؤلؤ لا يخرج من الماء العذب وهب أن الغواصين ما أخرجوه إلا من الملح، ولكن لم قلتم أن الصدف لا يخرج بأمر الله تعالى من الماء العذب إلى الماء الملح فإن خروجه محتمل تلذذًا بالملوحة كما تلتذ المتوحمة بها في أوائل حملها حتى إذا خرج لم يمكنه العود، وكيف يمكن الجزم بما قلتم وكثير من الأمور الأرضية الظاهرة خفيت عن التجار الذين قطعوا المفاوز وداروا البلاد فكيف لا يخفى أمر ما في قعر البحر عليهم، والله تعالى أعلم. ومن غريب التفسير: ما أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس قال: {مَرَجَ البحرين يَلْتَقِيَانِ} [الرحمن: 19] علي. وفاطمة رضي الله تعالى عنهما {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ} النبي صلى الله عليه وسلم {يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ} الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما.وأخرج عن إياس بن مالك نحوه لكن لم يذكر فيه البرزخ، وذكر الطبرسي من الأمامية في تفسيرهمجمع البيان الأول بعينه عن سلمان الفارسي. وسعيد بن جبير. وسفيان الثوري، والذي أراه أن هذا إن صح ليس من التفسير في شيء بل هو تأويل كتأويل المتصوفة لكثير من الآيات، وكل من عليّ. وفاطمة رضي الله تعالى عنهما عندي أعظم من البحر المحيط علمًا وفضلًا، وكذا كل من الحسنين رضي الله تعالى عنهما أبهى وأبهج من اللؤلؤ والمرجان راتب جاوزت حدّ الحسبان..تفسير الآية رقم (23): {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (23)}{فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} مما في ذلك من الزينة والمنافع الجليلة فقد ذكر الأطباء أن {اللؤلؤ} يمنع الخفقان. والبحر. وضعف الكبد. والكلى. والحصى. وحرقة البول. والسدد. واليرقان. وأمراض القلب. والسموم. والوسواس. والجنون. والتوحش. والربو شربًا. والجذام. والبرص. والبهق. والآثار مطلقًا بالطلي إلى غير ذلك، وأن المرجان أعني البسذ يفرح ويزيل فساد الشهوة ولو تعليقًا. ونفث الدم. والطحال شربًا. والدمعة. والبياض. والسلاق. والجرب كحلًا إلى غير ذلك مما هو مذكور في كتبهم..تفسير الآية رقم (24): {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآَتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24)}{وَلَهُ الجوار} السفن جمع جارية وخصها سبحانه بأنها له وهو تعالى له ملك السموات والأرض وما فيهن للإشارة إلى أن كونهم هم منشئيها لا يخرجها من ملكه عز وجل حيث كان تمام منفعتها إنما هو منه عز وجل، وقرأ عبد الله. والحسن. وعبد الوارث عن أبي عمرو الجوار بإظهار الرفع على الراء لأن المحذوف لما تناسوه أعطوا ما قبل الآخر حكمه كما في قوله:{المنشئات} أي المرفوعات الشرع كما قال مجاهد من أنشأه عنى رفعه، وقيل: المرفوعات على الماء وليس بذاك، وكذا ما قيل المصنوعات، وقرأ الأعمش. وحمزة. وزيد بن علي. وطلحة. وأبو بكر بخلاف عنه {المنشآت} بكسر الشين أي الرافعات الشرع، أو اللاتي ينشئن الأمواج بجريهن، أو اللاتي ينشئن السير إقبالًا وإدبار، وفي الكل مجاز، وشدد الشين ابن أبي عبلة، وقرأ الحسن {المنشآت} وحد الصفة ودل على الجمع الموصوف كقوله تعالى: {فِيهَا أزواج مُّطَهَّرَةٌ} [البقرة: 25] وقلب الهمزة ألفًا على حد قوله: يريد لتهدأ والتاء لتأنيث الصفة كتبت تاءًا على لفظها في الأصل {فِى البحر كالاعلام} كالجبال الشاهقة جمع علم وهو الجبل الطويل.
|